الاقتصاد المصري في مهب الريح

أزمة مصر الاقتصادية والحلول المطروحة

الأزمة الاقتصادية المصرية بعيون عالمية

نشرت صحيفة رويترز العالمية تقريراً مطولاً في مايو الماضي بعنوان ” ما مدى عمق الأزمة الاقتصادية المصرية”. استعرض التقرير الجذور الأولى للمشكلة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مستعرضاً المراحل المتنوعة التي مرت بها البلاد وصولاً بعنق الزجاجة الذي يجب على اقتصاد البلاد تخطيه حالياً.

بدأت الأزمة في الظهور مع بداية انتشار وباء الكوفيد 19، والذي كان له كبير الأثر على الاقتصادات العالمية بشكل عام لإجراءات الغلق المتّبعة والتي أثرت على سلاسل الإمدادات سلباً.

أزمة الكوفيد 19 ساهمت في تحول الكثير من الموظفين في القطاعات العامة والخاصة للعمل من المنزل، كما زادت من اهتمام الناس بالألعاب الرقمية بشكل عام مثل تلك المتاحة عبر موقع haztayeb-egypt.com.

أزمة الكوفيد لم تحل كلياً حتى الآن، فمع بداية عام 2024 قررت الصين فرض غلقاً جديداً لقلقها من انتشار متحور جديد من الفيروس في البلاد.

وفي مطلع العام الماضي، أعلنت روسيا الحرب على الأراضي الأوكرانية، الحرب التي أضافت من التعقيدات ما لم يكن يحتمله الاقتصاد العالمي متسببة في ارتفاع سعر النفط وتعطّل إمدادات واردات القمح من البلاد الأوكرانية.

 

عمق الأزمة الاقتصادية المصرية

نمو الاقتصاد المصري بيانياً يسير وفق التوقعات بنحو 4 – 5% نمو سنوي، لكن على الجانب الآخر، الزيادة في عدد السكان تلتهم ذلك النمو مما يجعله غير محسوساً على أرض الواقع.

أضف إلى ذلك أن العملة المصرية انخفضت قيمتها بحوالي 50% مقابل الدولار الأمريكي منذ مارس 2024، وهذه أكبر مشكلة تواجه البلاد حالياً في ظل اعتمادها بشكل كبير على الاستيراد من الخارج في كافة القطاعات.

قبل انخفاض قيمة العملة، كان تقريباً 30% من الشعب المصري يعتبر دون خط الفقر، ومع الأحداث الاقتصادية الأخيرة أظهرت البيانات الرسمية أن هذا العدد تضاعف تقريباً ليصل إلى 60% من إجمال السكان البالغ عددهم 105 مليون نسمة تقريباً!

كل هذه الصدمات جعلت مصر مضطرة للجوء لصندوق النقد الدولي كجهة دولية مانحة أملاً في الحصول على قروض قيمتها 3 مليار دولار أمريكي.

صندوق النقد الدولي على الجانب الآخر رأي ضرورة قيام النظام بمجموعة كبيرة من الإصلاحات الاقتصادية حتى يتمكن من منح البلاد القرض المطلوب.

 

الوصفة العلاجية لصندوق النقد الدولي  

طلب صندوق النقد الدولي من مصر مجموعة من الإصلاحات أهمها خفض دعم السلع التموينية وتحرير سعر صرف العملة المصرية، والتخارج التدريجي للشركات المملوكة للقوات المسلحة لإفساح المجال التنافسي أمام شركات القطاع الخاص.

وقد أبدت مصر بعض المرونة في تحرير سعر الصرف لكنها لم تحرر سعر صرف الجنيه بشكل كامل وفقاً لخبراء، مما أدى لظهور سوق موازي للعملات الأجنبية مع شح توافرها من المصادر الرسمية.

وقد أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى صعوبة تحرير سعر الصرف بشكل كامل نظراً للتبعات التي قد تكون كارثية لهذا القرار على فئات كبيرة من المجتمع.

يضاف إلى هذه المشكلات الاقتصادية تعقيدات سياسية يشهدها المشهد المصري تتمثل في إجراء الانتخابات الرئاسية  في نهاية هذا العام، الأمر الذي قد يؤجل الإصلاحات الاقتصادية لحين الانتهاء من هذه الانتخابات.

 

ديون مصر وكيف تم إنفاقها

تشير البيانات الرسمية إلى أن فاتورة خدمات الديون السيادية بلغت 93% من إجمالي الناتج المحلي المصري، منها 11.4 مليار دولار أمريكي تجاه صندوق النقد الدولي واجبة السداد خلال 3 أعوام المقبلة.

وقد أشارت البيانات أن الحكومة المصرية تستهدف خفض قيمة هذا الدين ليصل إلى 75% فقط من إجمال الناتج المحلي المصري بحلول عام 2026.

الاستدانة بشكل عام ليست سلبية بالضرورة، الأمر يعتمد على أوجه إنفاق القروض بشكل رئيسي. الأمر الذي أدى إلى تعميق مشكلة الاقتصاد المصري ربما يكون بالأساس أوجه الإنفاق.

فقد أنفقت الحكومة المصرية على عدد من مشروعات البنية التحتية الكبرى التي قد لا تعود على البلاد بعوائد كبيرة على المديين القريب أو المتوسط.

الأمر الذي أدى إلى لجوء الحكومة لبيع مجموعة من الأصول المملوكة للدولة من أبرزها حصة قدرها 30% من شركة الشرقية للدخان مقابل 625 مليون دولار أمريكي، وسط تكهنات ببيع حصة أو جزء من حصة شركة المصرية للاتصالات في شركة فودافون.

سددت مصر خلال العاميين الماضيين 52 مليار دولار أمريكي من ديون وأقساط دين، منها 25.5 مليار دولار أمريكي تم سدادها في 6 أشهر الأولى للعام الحالي. وتبلغ التزامات مصر للعام المقبل من أقساط الديون 29.2 مليار دولار أمريكي.

 

ما القادم في مصر

الإصلاح الاقتصادي وثيق الثقة بالتطور السياسي للأوضاع في البلاد. وعلى الرغم من أن الخبراء يستبعدون أن تتعثر القاهرة في سداد ديونها، إلا أنهم يرجحون أن هذا سيكون على حساب الطبقات الأكثر فقراً!

يتوقع المعنيون بالمشهد المصري السياسي فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بدورة رئاسية ثالثة، وفي حال حدوث هذا فمن المتوقع استمرار تنفيذ برنامج بيع الأصول المملوكة للدولة، ومن المرجّح أن يتم التحرير الكامل لسعر الصرف.

تهدف مصر بشكل رئيسي لجذب الاستثمارات الأجنبية، لكنها بحاجة أولاً لحل مشكلة سعر الصرف حتى يطمأن المستثمرون على قدرتهم على سحب أرباح استثماراتهم من البلاد دون أدنى مشكلة.

الصورة الاقتصادية للبلاد ستكون أكثر وضوحاً بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الحالية، ولكن على أي حال من الأحوال الأفق للطبقات المتوسطة وما دونها مقلقة بعض الشيء.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.